الأربعاء، ٣٠ يوليو ٢٠٠٨

عن القدر

لم أكن أنوي الحديث عن مواضيع مماثلة ..لكن طرح الموضوع أكثر من مرة في الفترة الأخيرة في مدونتي الثانية ومدونات أخرى ومع بعض الأصدقاء..لذلك أرى أن من واجبي أن أكتب ..ربما البعض لا يعرف..أتمنى أن تكون كلماتي سلسة بعيدة عن تعقيد لغة العقيدة ..وألا أكثر من تفاصيل قد لاتهم من لايهتم..
الموضوع عن أفعال العباد..هل الإنسان يسير وفق ما كتب عليه مسبقا أن يفعل..أم أن له الحرية الكاملة ليفعل ما يشاء دون أي تدخل من الله؟؟..هل الإنسان "مسير أم مخير"..؟؟
لن أضيف إلى الموضوع شيئا من التشويق والإثارة ..
قول أهل السنة والجماعة وهو الصحيح إن شاء الله وسط بين الجبرية والقدرية..
الجبرية يقولون أن الإنسان مجبور على أفعاله يسير وفق طريق مرسوم له .. لا حرية ولا اختيار منه لأفعاله فالله يختار لعباده أفعالهم خيرها وشرها.. بالطبع القول خاطئ..ببساطة كلنا نعلم أن الله لن يعاقب شخصا على فعل لم يختاره..
أما القدرية .. تقول أن لكل عبد الحرية التامة والمشيئة الكاملة ليختار أفعاله وأن الله لا يختار شيئا لانه لا يمكن أن ندعي أن الله يختار أن يعصى " الرد على هذه الجزئية: الفرق بين المشيئة الكونية والمشيئة الشرعية" ..لذلك فالعبد هو المخترع لأفعاله..هذا القول يقود لنقطة أكثر خطورة وهي انكار القدر ..أن الله لا يعلم ما سيفعله عبده .. لأنه لو كان يعلم أنه سيعصى..لمنع المعصية لو سلمنا جدلا بصحة النقطة الأولى..أيا كان..واضح أن القول خاطئ..
قول أهل السنة والجماعة وهو الصحيح إن شاء الله : أن للإنسان الحرية والاختيار ليختار أفعاله وأعماله..فله أن يصوم أو أن يفطر.. لذلك فهو مخير..لكن حريته واختياراته تابعة لامحالة لمشيئة الله واختياراته فالله أعلم بنا من أنفسنا..لذلك فكل فعل نفعله باختيارنا لن يخرج عن علم الله المسبق واختياره ومشيئته لعلمه التام بنا وبطريقة اختياراتنا وتفكيرنا..لذلك فالإنسان مسير .. المجموع أن الإنسان ( مسير ومخير ) في نفس الوقت ..
مثال "ولله المثل الأعلى" : الأب يعطي لابنه 100 جنيه ليشتري شيئا.. أي شيء.. له الحرية.. قميص بنطلون أي شيء.. سيختار الابن ما يريد ..عادة ..يجلس الأب في بيته واثقا أنه سيشتري قميص مثلا..لانه يعلم ما يحبه ابنه وكيف يفكر وكيف يختار..لذلك أعطاه المال منذ البداية وفي علمه أن ابنه سيشتري القميص.. تخيل المثال ولله المثل الأعلى وأضف إليه أن علم الله بعباده أكثر من علمهم هم بأنفسهم..
أتمنى أن أكون قد نجحت في التعبير عن ما أقصده..هو ليس رأيي ولا اجتهادي..

أخيرا:
التدوين ساحة للكتابة بلا رقيب..أعتقد أن قليلا من الورع عن الكتابة في بعض الأمور الشائكة دون علم سيكون مفيدا..
التفكير في الأمور كهذه دون الاطلاع عليها علميا..والسماح للنفس بالتبحر في خيالها..ليس عبقرية ولا فكر ولا تميز..يمكننا ببساطة أن نفتح كتابا أو أن نسأل من يعلم..إن كان همنا الوصول للحقيقة لا التمتع بالتفكير في مواضيع غريبة شائكة كدلالة على تميزنا..أعتذر عن الاطالة..
دمنا بخير جميعا
..
تحديث: عاد صديقي العزيز للتدوين في مدونة "بهدوء" .. مدونة "مثيرة للاهتمام".. على يقين أنك ستجد فيها ما يحرك أفكارك..

الاثنين، ٢٨ يوليو ٢٠٠٨

دكتور دانييل



دكتور دانييل هو الدكتور المشرف على بحثي خلال إقامتي في النمسا..
مع لقائنا الأول شعرت أنه "مجنون" واضح في الصورة :) ..سرعان ما تأكدت أنه الجنون الذي يصاحب العبقرية عادة..

أحد الأيام الأولى من رمضان.. صباحا ..كان يشرح لزميلتي كيفية عمل القهوة من ماكينة المستشفى..كنت أستمع..وجدت نفسي فجأة أستمع ببلاهة لسيل من الاعتذارات بلا مبرر..بالطبع سألته لماذا يعتذر ؟؟ "لأنك مضطر إلى أن تستمع إلى طريقة إعداد القهوة وأنت صائم"..للحظة تساءلت " وإيه يعني ؟؟"..ثم فهمت ..هو يخشى على مشاعر الصائم أن تجرح لأنه يستمع إلى طريقة تحضير القهوة..لم أدرك في البداية لأني لم أعتد على هذا النوع من التعامل..مراعاة الشعور بهذه الطريقة..

هذا الموقف جعلني أدقق فيما مضى وما أقبل من أيام مع دكتور دانييل .. لأتأكد في النهاية أنه فعلا شخصية مميزة..

كان من الكافي أن يسمع عني معلومة لمرة واحدة فيحفظها ويراعيها ويبني عليها..كان يعلم ما أحب وما أكره..طعامي المفضل..طقسي المفضل..لوني المفضل..تساءلت من ممن قضيت عمري معهم يفعل ؟؟..


اعتاد أن يصطحبنا إلى مطعم إيطالي "بلا كراسي" ..فنأكل وقوفا معلقا " أحب توفير الوقت "..


كان يصل إلى المستشفى بدراجته..رياضة..توفيرا للمال والوقت..


رغم أنه بروتستانتي ورغم المشاكل بين البروتستانت والمسلمين في النمسا ..إلا أنه لم يجد مشكلة في أن يؤكد دائما أن ثقافة وحضارة وعلوم أوروبا معظمها " مسروق" من العرب والمسلمين كـ"ابن سينا" عندما كان المسلمين سادة العالم بينما كانت أوروبا في القرون المظلمة..


كان يختفي فجأة لدقائق..تكررت كثيرا..مصادفة عرفت أنه يختلس الدقائق ليأكل دون أن أراه ..فأنا صائم..كان يراعي شعوري :)


رغم أنه لم يتكلم عن ذلك أبدا..إلا أنني اكتشفت مع زيارتي لبيته أنه ينحدر من عائلات ملكية من أوروبا وأمريكا بينما نسبه الآخر يمتد لسفراء في الصين منذ قرنين تقريبا..هو لم يتفاخر بنسبه..ولا ببراءات الاختراعات التي اخترعها فعلا..ولا بزيارته لثلاثين بلدا تقريبا..هو ببساطة..لم يكن يتباهى..

كان يظهر حرصا وخوفا على سلامتي لا يشابهه إلا ما تفعله أمي..عندما ينادي علي في الجبل "
لا تبتعد"..عندما يهتم براحة اقامتي..عندما ينادي بغرابة "كن حذرا"..عندما يطمئن على كل تفصيل من حياتي رغم أنه غير مسؤول عني..عندما يبحث لي عن مطاعم تناسبني كمسلم..

غير هذه المواقف والصفات كثير..للأسف غير مسلم..لكنه غير في حياتي وفي شخصيتي الكثير..وتعلمت منه الكثير..أقل ما يمكن أن أشكره به أن أكتب عنه في مدونتي..رغم أنه لن يقرأها :)
أخيرا ..تذكرت مقولة..
"ياله من دين ..لو كان له رجال"

الثلاثاء، ٢٢ يوليو ٢٠٠٨

أريد..أحتاج..أستطيع

كل فعل من أفعالنا ينتج عن أحد ثلاثة أسباب :

الرغبة..
أنا أريد أن آكل ربما لست جائعا..لكنني أريد أن آكل شيئا أحبه..
أريد أن ألعب لا لشيء..فقط أريد أن ألعب..
أريد أن أتعرف إلى فلان..
وهكذا..
الأفعال الناتجة عن الرغبة المحضة بلا حاجة ..الإرادة النابعة من الغرائز..عادة ما تكون أفعالا زائدة عن الحاجة.. وقد تتطور الرغبة لينتج عنها فيما بعد حاجة حقيقية..أريد أن آكل..آريد أن آكل..أريد آكل..والنتيجة أنني سأجوع فأصبح محتاجا للطعام بالفعل..لكن يبقى الأساس "فاسدا"..زائدا عن الحاجة..ترفا..
هذه الأفعال أفعال العوام بما لديهم من السطحية والتلقائية.. أفعال الغوغاء..

الحاجة..
أنا جائع لذلك سآكل..
أمارس التمارين لأني أحتاج إلى انقاص وزني..
أتعلم لأني سأعمل بما أتعلمه..
كلها أفعال ناتجة عن الحاجة .. هذا طبيعي .. عادي .. صحيح..

القدرة..
الفعل يتناسب طرديا مع قدراتي ومواهبي..
ربما لا أحتاج للفعل ولا أريده أيضا .. ربما..لكن به سأصبح أفضل..ولي القدرة..لا موانع..
سأمارس الرياضة لأصبح أفضل..لأني أستطيع ..لا أحتاجها بشدة ..لكن لم لا ؟؟ إن كنت أستطيع..
سأتعلم لغة رغم أن ذلك ليس ضروريا.. لم لا ؟؟ فأنا أستطيع..لدي القدرة العقلية..الوقت..المال..لم لا ؟؟
أتعلم..أقرأ..أسافر..أتدرب..أشارك في كثير من الأعمال..
السؤال دائما.." ليه لأ؟؟ " ..ليس " ليه ؟؟"..
لم أعطل قدراتي ومواهبي وإمكانياتي وينقضي عليها الوقت دون استغلال..؟؟
لم نحتاج إلى أسباب قوية للغاية لنبحث ونقرأ ونتعلم ونشارك ونتعرف ؟؟..رغم أن أهم الأسباب "أننا نستطيع"..

تعلمت "من أخي" أن أفعالي يجب أن يحددها ما يمكنني أن أفعله ..لا ما أحتاج .. لا ما أريد..

عرفت أن نعم الله علي وقدراتي ومواهبي لا لقرابة ولا لانجازاتي في حياة أخرى .. ولكن لأعمل وأنتج بها..
وإن لم أفعل ..فقد تنتقل إلى غيري ببساطة..


الأربعاء، ١٦ يوليو ٢٠٠٨

تاج 3

سعيد بالتاج دا لانه اول تاج يجيلي تكون اسئلته عن الآراء مش اسئلة شخصية ولا عني انا..باشكر عزيزي أحمد "بلدك يا رأفت" على التاج ..
بدأت تدون من امتي ؟ و دخلت العالم ده ازاي ؟
بدأته فعليا من حوالي ه شهور..واللي اقنعني اني أعمل بلوج أخويا أدهم " من أدهم عن كل شيء".. ومع إني في الاول كنت بقول هاخش اكتب لمين ؟؟
ايه كان انطباعك في البداية ؟
في البداية كنت بكتب لاصحابي وهما ما شاء الله بعدد لا بأس به في عالم التدوين..وليا صحاب كتير غيرهم بيخشوا يقروا والحمد لله فكنت سعيد وقانع بكدا..مكنتش عامل حسابي على اصحاب مدونات اخرى لغاية ما بدأت أتوغل وأتبادل الزيارات لقيت الدنيا واسعة وبحر جميل جدا من الافكار والخبرات والعقليات بس بتغاظ لما بحس انه اوسع من اني اوصل لاخره..
مين أكتر واحد بتهتم بتعليقه علي بوستك الجديد ؟
اهمممم..أدهم مع انه مبيعلقش كتير ههههههههه .. حبيبي أحمد هشام..خبيب .. وفيه ناس بس مش اصدقاء ليا .. سنووايت..غادة ورفيدة..

مين اتعرفت عليه من خلال المدونة و نفسك تتعرف عليه في الحقيقة ؟

أنا معظم زوار مدونتي اصدقاءي او معارف ع الاقل..وبشكل عام أنا مش من هواة المعارف والصداقات الجديدة..لكن هحب أتعرف على قبطان صاحب مدونة سفينة " اللينك ع الجنب " .. وكمان مدونة كاتشاب "برضه اللينك ع الجنب" .. أحترم عقليتهم جدا جدا

ايه أهم حاجة اتعلمتها من عالم التدوين ؟

أكتر حاجة..!!؟؟ أنا مليش أي احتكاك تقريبا بالبنات المصريات .كل صديقاتي فعلا من بلاد تانية والسبب الوحيد اني اتعرفت عليهم اني كنت مسافر واتصاحبنا هناك..ولعدم معرفتي باي بنت مصرية كان بالنسبالي عالم مجهول يعني في حياتي كلها مكلمتش خمس بنات مثلا في جميع الاحوال وتحت أي ظرف هههههه..وبجد فوجئت إن ما شاء الله فعلا مصر جابت..و اقول بكل سعادة ان احسن المدونات اللي بزورها مدونات بنات واني اكتشفت عقليات ممتازة ومتميزة ومدونات رائعة..واحسن 10 مدونات عندي من ضمنهم ع الاقل 6 او 7 بنات.. ودا اداني احساس بالسعادة ان الناس بخير..وان بناتنا لسه فيهم نوعيات " غير"..
ايه أكتر حاجة كرهتها ؟
للأسف كتير .. أول حاجة حسيت إن البعض بيعتبر إني كوني مدون دي ميزة في حد ذاتها واننا كدا مجموعة محصلتش واننا لازم نقف جنب بعض باعتبارنا مدونين واحسن من غيرنا..بيتهيالي التدوين وسيلة لتوصيل الآراء ممكن اي حد كويس او وحش يكتب اللي هو عايزه وكوني مدون دا مش هوية او مهنة او وظيفة..هو مجرد جزء من حياتي جنب اجزاء كتير..وكمان..في الاول لما كنت بكتب لقيت ان اكتر تعليقات كانت على اول تاج..كنت هطق..يعني اللي انا بكتبه بدماغي ملهوش لازمة..ولما ارغي مع نفسي يبقى شيء جميل والناس تقرا وتعلق؟؟..اخيرا بتغاظ لما حد يخش يقولي خش علق عندي..ويا سلام كمان لو كان مقراش البوست اللي انا كاتبه اصلا..

ممكن تدي مثال عن اللي بتحلم تلاقيه ؟

همممم .. مبحلمش بحاجة في عالم التدوين بصراحة..انا راضي عن اني بكتب وراضي عن نسبة القراء وان كنت اتمنى طبعا تزيد .. وسعيد بالمدونات اللي بزورها..لكن احب ازود انتاجي شوية :)

حاسس ان التدوين له تأثير ؟
أكيد ع الاقل حتى اتشارك الاراء او اسجل افكاري عشان متضعش وسعيد جدا بتأثير البلوج عليا حتى كمان بلوجي التاني اللي بعتبره تسجيل لكل فكرة بتعدي على دماغي مهما كانت تافهة وانا فعلا كنت محتاج دا لغزارة الانتاج العقلي بالافكار العبيطة..

طيب كلمة أخيرة ؟
أحب أشيد في الآخر بمدونات ..ودا من غير مجاملة لأن دي أمانة ولازم أكون صادق فيها.. غير طبعا مدونة أدهم و أحمد اللي قلت عليهم فوق واللينك ع الشمال.. أنصح بزيارة مدونة سنووايت الرائعة..سفينة..كاتشاب " دماغ ".. غادة ورفيدة مدونتهم بسيطة وواضحة.. نعكشة "بحس إني بتنعكش لما بخشها"..وحديثا بقيت متابع لمدونة آه وكفى لنورة الخشن .. واللينكات كلها ع اليمين :)

أوجه التاج .. لأدهم "من أدهم عن كل شيء"
أسامة أمين " شمو نشادر"
" سنووايت "
"غادة ورفيدة"
"نعكشة "
خالي نبيل " حكاوي القهاوي "

تحديث:
أو إعلان :)
صديقي العزيز أحمد جردوح أنشأ مدونة " إيجابي" وانا ليا الشرف إني أشترك فيها..إلى جانب مدونين وأصدقاء..
الدعوة مفتوحة للمشاركة بالموضوعات والتدوينات الايجابية..
واكيد للقراءة والتعليقات والآراء..
لو حبيت تشاركنا
toa7med@yahoo.com
leopordo86@yahoo.com
أي واحد فينا هيكون تحت أمرك إن شاء الله .. ميغسي بوكو :)


الجمعة، ١١ يوليو ٢٠٠٨

لا أكرهك 2



حبيبتي ...
معلمتي الأولى..
أشكرك..
بفضلك تعلمت أن الحب والحنان والأمان مسميات من كوكب آخر لا تنتمي إلى عالمنا..
أن الشفافية والصدق والوضوح أكاذيب اخترعها الناس ليغرقوا ضحاياهم السذج..
أن كل ابتسامة..ضحكة..همسة..لمسة.. نظرة محبة ظننتها صادقة..
كل هذا كذب وخداع.. مراء..غطاء لخنجر يستعد ليفتك بأوردتي..
ينتظر ظهري لينكشف ليقوم بدوره كما قمت بدورك..
ليقضي على الساذج الذي ظن يوما أن للحب وجود وكيان..
ساذج تناسى أن لابد في عالمنا من حسابات أخرى..من مراوغات ..توريات..
ساذج ظن أن بامكانه أن يقف ببساطة لينطق بكلمة
أحبك..
الآن تعلمت أن لا أستند إلا للجدار..أن أنام بعين واحدة.. تعلمت.. أن أبقي قلبي بداخلي..
أشكرك..
ولا ألومك.. سألوم نفسي التي وثقت بك..
لا أكرهك..فقط أكره نفسي التي أحبتك يوما..

.................


تحديث : أعزائي القراء..التدوينة قطعة ادبية بحته لا تمت إلى حياتي بصلة :)..ولو كانت حقيقة لما كتبتها هنا ولن أكتب عن حياتي في مدونتي..ولم أختبر أو أجرب يوما هذا النوع من الحب العنيف..لذلك أعرض التدوينة كعمل أدبي لا كتجربة شخصية..كنت أنتظر نقدا وآراءا لا مواساة :D
دمتم لمدونتي زوارا .. :)

الخميس، ٣ يوليو ٢٠٠٨

مسافر

اليوم كان امتحان الرمد الشفوي..أحد أفضل امتحاناتي في الكلية..انتهى الامتحان وغادرت الكلية عائدا إلى المنزل..وصلت إلى الموقف..كان الميكروباص قد امتلأ فكنت أول من استقل الميكروباص التالي.. استقريت في مكاني المفضل خلف السائق تماما..فكرت في أن أغير المكان وأتقدم لأجلس إلى جواره تماما حتى لا تؤذيني الشمس المسلطة على مقعدي الحالي طول الطريق.. المهم أني قررت البقاء مكاني ..رغم أني كنت أنظر للكرسي إلى جوار السائق بنهم..امتلأت السيارة ..انطلقنا..
كنت سعيدا بأدائي في الامتحان وعلت وجهي ابتسامة لا ارادية نظرت إلى يدي وعندما رفعت رأسي..لم تكد الابتسامة تختفي حتى فوجئت ككل من في الميكروباص بسيارة مسرعة تتجه نحونا ..لم أستوعب ما حدث في الثواني الأولى ..لكن الدقيقة التالية ..لن تنسى في حياتي..أذكر جيدا ارتطامنا بالسيارة..وجها لوجه..دارت الدنيا..اهتزت الرؤية واهتز معها عالمي كله..ارتطم وجهي بعنف بكرسي السائق.. وتبعه جسدي كله..نصف ثانية من الصمت القاتل..شعرت بنفسي ..بالوعي الذي تحدثت عنه سابقا.. كان كل شيء حولي كأنه مشهد مصور.. شعرت أن وجنتي تمزقت تماما ..فتحت عيني فوجدت رؤيتي سليمة..كان هذا أول ما أقلقني ..عيني..ثم شعرت بظهري يتمزق..فكرسيي والمرأة التي تجلس خلفي أصبحا على ظهري..زاد قلقي..بدأت أحرك أصابع قدمي ويدي لأتأكد أن أعصابي سليمة..زدت من الحركات لأتأكد أني حر..أنا حي ..لا أضرار جسيمة..بدأت أردد الحمد لله الحمد لله الحمد لله..لا أدري الحمد لله على أنني حي..أم لان علي أن أحمد الله حتى في المصيبة..رفعت عيني..كان المشهد أفظع من أصفه ..بدأ الصراخ..البكاء..بدأ السائق يصرخ..رجلي رجلي رجلي ويبكي..المرأة إلى جواره على الكرسي الذي تمنيت أن أجلس فيه تتأوه في عجز ..رأسها ملقا للخلف ووجهها تغطيه الدماء..الناس تصرخ وتبكي ..طلعونا من هنا..اهات..بكاء..صراخ..ماذا يحدث..أنظر خلفي ..الجميع ينزفون..وجوه كاملة مغطاة بالدماء..المرأة إلى جواري أصبحت فوقي والجميع يسعى للخروج من القبر..والسائق لا زال يستنجد..الناس يحاولون اخراجه..حاولت أن أجذب كرسيه بقوة لأحرره..فشلت..صدقا ..كانت أولويتي أن أخرج من السيارة..خرجت ووقفت في الطريق..
المشهد كساحة حرب..دماء على الطريق.. الزجاج في كل مكان..الزيت ..الدخان..التراب..الصراخ..البكاء..أنين مكبوت بالضعف..
الشاب في السيارة الأخرى جزمت أنه مات..فهو كتلة دامية بلا حراك..جاء الاسعاف بسرعة ونقل المصابين ..أخرجوا السائقين وأصطحبوا آخرين.. بقيت في الشارع تائها..عقلي لا يعمل بسرعته المعهودة..مشتت..ماذا حدث؟؟..ماذا يحدث؟؟..فمي ووجنتي ينزفان قليلا..تمزق بنطالي..يغطيني الشحم..بدأت أشعر بالألم في جانبي الأيسر كله..لكنني واقف على قدمي..
أنا حي..لم أمت .. لم أتشوه أو أشل ..أو أكسر..الكثيرين فعلوا..
كنت أظن أني واجهت الموت من قبل ..لكنني هذه المرة رأيته في ثواني..رأيته يمر من أمامي وينظر إلي ثم يتجاوزني ربما إلى المرأة إلى جوار السائق..حيث كان يمكن أن أكون..
شعرت لأول مرة بروحي..شعرت بها تتجمع بداخلي ..في أعماقي..كأنها تتهيأ للخروج..
لكنني حي..سليم مقارنة بالآخرين..سعيد لذلك..غاضب لكل شيء..
هل الغريب بقائي حيا..أم الغريب لو أنني مت هناك؟؟
هل حفظني الله بأذكار الصباح رغم أنني لم أكملها ؟؟..أم دعاء السفر ؟؟ أم أنه لا يزال لي مهمة في هذه الحياة ؟؟..
ربما ترى التدوينة لا تهمك..عادية..خاصة..وقطعا ستنساها وتعود إلى حياتك بسعادة بعد ساعات كأقصى تقدير..
لكنني قررت أن أكتبها لاقرأها..لأتذكر..لاسترجع ثوان ثلاث رأيت فيها الموت..
سأتذكرها كلما شعرت أن الدنيا تأخذني بعيدا..
وسأحاول أن أتذكر في كل مرة وفي كل يوم .. أنني مسافر..