السبت، ١٤ مارس ٢٠٠٩

شكرا مصيبتي

بما أننا جميعا ننمو فكريا وشخصيا فإننا نتعرض لكثير من التجارب .. سعيدة .. حزينة ..

للوصول إلى النضج الفكري نحتاج إلى بعض المآسي .. شيء من العذاب .. اختبار مشاعر كالضعف والعجز .. ليس لأن هذه هي سنة الحياة و أن لا شيء يأتي بالمجان .. ولكن لأن نضجنا لن يتم ويكتمل إلا باختبار جميع أنواع المشاعر .. علينا أن نتقبل المآسي ونعيشها بوعي تماما كما نحرص على التمتع بكل لحظة سعادة .. بالطبع يمكننا تجاهلها .. لكن ذلك سيحرمنا من فائدة تلك اللحظات..من نحتها في شخصياتنا .. وسنحيا ونموت للأسف "عاديين" ..
لا أحد عانى أكثر من الرسول صلى الله عليه وسلم .. فشق صدره وهو صغير وطرده ..تكذيبه من أقرب الأقربين ..رمي الصغار والمجانين له بالحجارة وكسر رباعيته وشج وجه..اختفاءه في غار مظلم كل هذا ساهم بالتأكيد في تشكيل عبقريته .. في ملامح شخصيته وحكمته.. وهكذا فكل الأبطال يمرون بالمآسي .. فهذا يجعلهم أكثر تفتحا .. أكثر حكمة ..أقدر على الاختيار .. اختبارهم للسيء مهم تماما كاختبارهم للجيد ..

أتذكر الحادث كل يوم تقريبا وقطعا لو عدت للوراء لما محيته من حياتي .. لأن هذه التجربة جعلت نظرتي للحياة بشكل عام وحياتي أن بشكل خاص أكثر نضجا .. كل اللحظات السعيدة التي قضيتها لم توفر هذا التقدير .. ليس لأنها ليست كافية ولكنها ببساطة لا توفره ..
فقداني لمن أحببتهم منذ زمن .. علمني الكثير عن العلاقات .. عن الصداقة الحقيقية .. عن المهم .. كل الأوقات الرائعة التي قضيتها معهم لم تعلمني هذا .. لكن الفراق المؤلم فعل ..
بالتالي فعندما أراجع حياتي أتقبل مرها قبل حلوها .. فجزء كبير مني بني بالأحداث السيئة .. لن أغيرها لو أستطعت .. لن أكرهها ..
الأهم من هذا كله أنني أصبحت أتقبل كل سوء كجزء من تكويني .. من عملية نحتي .. بغيرها ستنحت السعادة جزءا وتترك الباقي مطموس الملامح ..

المرفهين الذين لم يروا بؤسا ولم يختبروا عناءا يفتقدون نوعا من الخبرة .. نوعا من النضج .. جزء من اللوحة مفقود .. العكس المعذبون في الأرض والمشردون الذين ينقلبون إلى سعادة يخرج من أولائك عظماء.. يقدرون الأمور .. يعلمون المعنى الحقيقي لكلمة عواقب .. أذى .. أهمية القرارات .. إلى أين يؤدي كل طريق بما أنهم اختبروا الطريقين ..
المعاناة والسعادة معا ..تخرجان عبقرية .. إحداهما بمفردها تنتج شخصا يحيى في عالم الأحلام بعيدا عن الواقعية..
لنشكر الله على كل لحظة بؤس كما نشكره على كل لحظة سعادة .. لنظهر شيئا من العرفان والتقدير لتجاربنا الأليمة,, ولنستعد لتقبل المزيد من المصائب بسعادة :) :) :) :)

هناك ١٢ تعليقًا:

IMS يقول...

كلما تذكرت اربع سنوات من عمري مضت اسود وأثقل على قلبي من اي مصاب او مشكلة مررت بها .. مجرد تذكر الامر يؤلمني ..لكن مازالت الحقيقة ثابته..معظم معرفتي واخبرتي في حياتي اكتسبتها من أسود أيام حياتي ..

أشكرك بشده على هذه الذكرى وإن كانت مؤلمة !!

Adham يقول...

حلو هذا الموضوع يا أخي..
فيه عبرة :) ويصبر الواحد على الأيام السودة ههههه
تسلم إيدك يا مراد باشا على الرحلة الفكرية..

جزيت خيرًا
سلام

دعاء مواجهات يقول...

ونعم بالله

مازل طعم هذا الشعور يلون ايامى ..
كل كلمة تنبع من خبرة تركت آثارها فى اعماقك

تحياتى لكل حرف تسطرة

افتقدك كثيرا ايها الميروو

BAZ يقول...

عجبا لأمر المؤمن ..

كل قضاء الله له خير ..

إن قضى عليه بخير ... فشكر .. كان خيرا له

وإن قضى عليه بشر ... فصبر .. كان خيرا له !

وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن

---

أرى الصبر على مرتبتين

مرتبة الصابر صبر من لا يستطيع شيئا ، فهو شر ابتلي به فهو يصبر عليه

ومرتبة الصابر صبر الشاكر الحامد ، فهو يدرك أن الله لا يقدر له إلا خيرا ، فيحمد الله على ذنب غفره ، أو نعمة أحسها ..

أو خبرة .. اكتسبها

---
جزيت خيرا

Sherif يقول...

فعلا يا دكتور

الواحد بيكتسب خبرته من المصايب اللي بتحصله

وكل اللحظات المؤلمه مبتتنسيش
لانها بتسيب اثر جامد في حياتنا

Rehab يقول...

تدوينة متميزة حقا
تحياتى

غير معرف يقول...

إذا كنت تريد أن تتعلم ستقول (شكرا مصيبتي) أما إذا كنت تفضل العيش بسلام بدون هدف كبير ستقول (مصيبة يا مصيبتي)
_________

أنظر إلى لطف الله في كل أقداره علينا حتى في ما يؤلمنا يعلمنا في الدنيا
و يغفر لنا في الأخرة
_________

حين وقوع الأمر قذ لا ندرك كثير من هذه المعاني يكفينا حينها (( إنا
لله و إنا إليه راجعون )) (( و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبو شيئا وهو شر لكم )) بعد مرورها تسنعلم منها الكثير

موضوعك جميل أثار في كثير من المعاني ...... شكرا

غير معرف يقول...

اكيد طبعا المواقف و اللحظات الصعبه في بعض الاحوال بتبني شخصيات قويه واكيد بتذودهم خبره بالحياه القاسيه و الشخصيات دي هيا اللي بتعرف تشق طريقها في الحياه و تواجه العقبات والعواقب بثبات وفي بعض الاحيان ممكن تبني تاريخ.
اكيد اي انسان في حياته مش هيعيش في سعاده علي طول وده الطبيعي اكيد هيكون فيه لحظات هموم واحزان هتاثر فيه طبعا و هتخليه عايش في حزن لفتره بس مش مهم لانها اكيد هتساعد علي بناء شخصيته وهيتعلم منها و تقويه لكن للاسف في بعض الناس بينكسر بسهوله
والذكي اللي يواجه المصاعب بايمان قوي و ثبات و حتي لو ملقاش السعاده في الدنيا يعمل الخير بنيه صافيه عشان يلاقيها في الاخره ان شاء الله،

المؤمن القوي خير و احب الي الله من المؤمن الضعيف.

معلش طولت بس موضوع رائع، افدتنا افادك الله

غير معرف يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

بوست جميل ..
عقلانى متوازن كالعادة..

حسيت بيه أوى لآنى وصلت ل نفس النتائج دى منذ فترة ليست ببعيدة
هل هذا نضج فكرى و شخصى !!!

أصبحت أتقبل من الحياة الحزن و المر قبل السعادة و الفرح
ومع ذلك أكون مؤمنة بأن مع العسر يسر و بعد الشدة الفرج ... فأرتاح كثرا لذلك و أعيش التجربة و المعاناة بتفاصيلها و كأنى كما ذكرت أنحتها لتكون عبرة و خبرة مع الزمن

جميل أن نعيش حياتنا و نتقبلها بكل ما نحسه من مشاعر و أحاسيس ..
لذلك أصبحت الحياة من وجهة نظرى أجمل و أفضل و لم أعد أحمل نفسى فوق طاقتها و لذلك وجدتها تمشى بسلاسة و تلقائية أكثر مما مضى ..

تحياتى على البوست الرائع المميز كالعادة ... سلام

Marat يقول...

شكرا للتعليقات ولكل اللي بيزور البلوج .. عارف اني مقصر في الردود والزيارات لكني متابع تعليقاتكم وبقراها اكتر من مرة ...
نورتونيييييييييييي

الجنوبى يقول...

بالطبع يمكننا تجاهلها .. لكن ذلك سيحرمنا من فائدة تلك اللحظات..من نحتها في شخصياتنا .. وسنحيا ونموت للأسف "عاديين" ..

رائعة هذه العبارة ياسيدى

اشكرك عليها بشدة

تحياتى وتقديرى

Ahmed Aljehani يقول...

ما شاء الله مبدع كعادتك .. ترى الأمور بمنظر آخر .. شيء جميل : )
اسمح لي أن أضيف شيئا : لا تحس بقيمة الشيء إلا أن فقدته .. والصائب تصنع الأبطال : )

شكرا جزيلا